الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)}.قوله: {للتقوى}: أي: لأهلِ التقوى. ويؤيد هذا قولُه في موضعٍ أخرَ {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، وقرأ ابن وثاب {نَرْزقُك} بإدغام القاف في الكاف. / والمشهورُ عنه أنه لا يدُغِمُ إلاَّ إذا كانَتِ الكافُ متصلةً بميمٍ جمعٍ نحو {خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21] وقد تقدم.قوله: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ}:قرأ نافع وأبو عمرو وحفص {تأتهم} بالتأنيثِ والباقون بالياء مِنْ تحت؛ لأنَّ التأنيثَ مجازي. وقرأ العامَّةُ {بَيِّنَةُ ما} بإضافة {بَيِّنَة} إلَى {ما} مرفوعةً وهي واضحةٌ. وقرأ أبو عمروٍ فيما رواه أبو زيدٍ بتنوينِ {بَيِّنَةٌ} مرفوعةً. وعلى هذه القراءةِ ففي {ما} أوجهٌ، أحدُها: أنها بدلٌ من {بَيِّنَةٌ} بدل كل من كل. والثاني: أن تكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هي ما في الصحف الأولى. والثالث أَنْ تكونَ {ما} نافيةً. قال صاحب: اللوامح: وأُريدَ بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصلِ ممَّا لم يكنْ في غيرِه من الكتب.وقرأَتْ جماعةٌ {بَيِّنَةً} بالتنوين والنصب. ووجهُها أَنْ تكونَ {ما} فاعلةً، و{بَيِّنَةً} نصب على الحال، وأنَّث على معنى {ما}. ومَنْ قرأ بتاء التأنيث فحملًا على معنى {ما}، ومَنْ قرأ بياءِ الغَيْبة فعلى لفظِها.وقرأ ابنُ عباس بسكونِ الحاء.{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}.والهاءُ في {قَبْلِهِ} يجوزُ أَنْ تعودَ للرسول بدليلِ قولِه: {لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}. وجَوَّز الزمخشري وغيرُه أَنْ تعودَ على {بَيِّنَةٍ} باعتبارِ أنها في معنى البرهان والدليل.قوله: {فَنَتَّبِعَ} نصبٌ بإضمار {أَنْ} في جوابِ التخصيص. وفي إعراب أبي البقاء: في جوابِ الاستفهام وهو سهوٌ.وقرأ ابنُ عباس وابنُ الحنفية والحسن وجماعةٌ كثيرة {نُذَلَّ ونخزى}. مبنيين للمفعول.{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا}.و{مُتَرَبِّصٌ} خبرُ {كل}، أَفرَدَ حملًا على لفظ {كل}.قوله: {مَنْ أَصْحَابُ} يجوز في {مَنْ} هذه وجهان، أظهرهما: أَنْ تكونَ استفهاميةً مبتدأةً، و{أصحابُ} خبره. والجملةُ في محلِّ نصبٍ سادَّة مَسَدَّ المفعولَيْن. والثاني ويعزى للفراء أن تكونَ موصولةً بمعنى الذين. و{أصحابُ} خبر مبتدأ مضمر أي: هم أصحاب، وهذا على مقتضى مذهبِهم، يحذفون مثلَ هذا العائدِ وإن لم تَطُلِ الصلةُ. ثم عَلِمَ يجوز أَنْ تكونَ عرفانيةً فتكتفيَ بهذا المفعولِ، وأن تكون على بابها فلابد مِنْ تقديرِ ثانيهما.وقرأ العامَّةُ: {السَّوِيِّ} على وزن فَعيل بمعنى المُسْتَوي. وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير {السَّواء} بفتحِ السينِ والمدِّ، بمعنى الوسط الجيِّد. وقرأ يحيى بن يعمر والجحدري {السوءى} على فعلى باعتبار أن الصراط يُذَكَّرُ ويؤنث. وقرأ ابن عباس: {السَّوْء} بفتح السين بمعنى الشرِّ.ورُوي عنهما {السوى} بضم السين وتشديد الواو. ويحتمل ذلك وجهين، أحدُهما: أَنْ يكونَ قَلَبَ الهمزةَ واوًا، وأدغم الواوَ في الواو، وأَنْ يكونَ فُعْلَى من السَّواء. وأصلُه السُّوْيا فقُلِبَتِ الياءُ واوًا وأُدْغم أيضًا. وكان قياسُ هذه السُّيَّا؛ لأنه متى اجتمع ياءٌ وواوٌ وسَبَقت إحداهما بالسكون قُلبت الواوُ ياءً وهنا فُعِل بالعكس.وقرئ {السُّوَيِّ} بضم السين وفتح الواو وتشديد الياءِ تصغيرَ سُوْء قاله الزمخشري. قال الشيخ: وليس بجيدٍ إذ لو كانَ كذلك لثَبَتَتْ همزةُ {سوء}. والأجودُ أَنْ يكونَ تصغيرَ سواء، كقولِهم عُطَيّ في عَطاء. قلت: وقد جعله أبو البقاء أيضًا تصغيرَ السَّوْء يعني بفتح السين. ويَرِدُ عليه ما تقدَّم إيرادُه على الزمخشريِّ، وإبدالُ مثلِ هذه الهمزةِ جائزٌ فلا إيرادَ.قوله: {وَمَنِ اهتدى} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ تكونَ استفهاميةً، وحكمُها كالتي قبلها إلاَّ في حَذْفِ العائِد. الثاني: أنها في محلِّ رفعٍ على ما تقدَّم في الاستفهاميةِ. الثالث: أنها في محلِّ جرٍّ نَسَقًا على {الصراطِ} أي: وأصحابُ مَنِ اهتدى. وعلى هذين الوجهين تكونُ موصولةً، قال أبو البقاء في الوجه الثاني: وفيه عَطْفُ الخبرِ على الاستفهام، وفيه تقويةٌ قولِ الفرَّاءِ يعني أنه إذا جَعَلَها موصولةً كانت خبريةً. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {وَأَمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.الصلاةُ استفتاحُ بابِ الرزق، وعليها أحال في تيسير الفتوح عند وقوع الحاجة إليه. ويقال الصلاة رزق القلوب، وفيها شفاؤها، وإذا استأخر قُوتُ النَّفْس قَوِيَ قُوتُ القلب.وأَمرَ- الرسولَ عليه السلام بأن يأمرَ أهلَه بالصلاةِ، وأَنْ يَصْطَبِرَ عليها وللاصطبار مزية على الصبر؛ وهو أَلاَّ يَجِدَ صاحبهُ الألمَ بل يكون محمولًا مُرَوَّحًا.قوله جلّ ذكره: {لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقًا} أي لا نكلفك برزق أحدٍ، فإنَّ الرازقَ اللَّهُ- سبحانه- دون تأثير الخَلْق، فنحن نرزقك ونرزق الجميع.قوله جلّ ذكره: {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوىَ}.هما شيئان: وجود الأرزاق وشهود الرزاق؛ فوجود الأرزاق يوجب قوة النفوس، وشهود الرزاق يوجب قوة القلوب.ويقال استقلال العامة بوجود الأرزاق، واستقلال الخواص بشهود الرزَّاق.ويقال نَفي عن وقته الفَرْقَ بين أوصاف الرزق حين قال: {نََّحْنُ نَرْزُقُكَ}؛ فإنَّ مَنْ شَهِدَ وتحقق بقوله: {نََّحْنُ} سقط عنه التمييز بين رزقٍ ورزقٍ.ويقال خففَّفَ على الفقراءِ مقاساةَ قِلَّةِ الرزقِ وتأخُّرِه عن وقتٍ إلى وقتٍ بقوله: {نََّحْنُ}.قوله: {وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}: أي العاقبة بالحسنى لأهل التقوى.ويقال المراد بالتقوى المُتّقِي، فقد يسمَّى الموصوف بما هو المصدر.{وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)}.عَمِيَتْ بصائرهم وادَّعوا أنه لا برهانَ معه، ولم يكن القصورُ في الأدلة بل كان الخَلَلُ في بصائرهم، ولو جمع اللَّهُ لهم كلَّ آيةٍ اقْتُرِحَتْ على رسولٍ ثم لم يُرِد اللَّهُ أَنْ يؤمِنوا لَمَا ازدادوا إلا طغيانًا وكفرًا وخسرانًا... وتلك سُنَّةُ أسلافهم في تكذيب أنيبائهم، ولذا قال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ}.إنْ أرسلنا إليهم الرسلَ قابلوهم بفنونٍ من الجحد، ووجوهٍ من العلل؛ مرةً يقولون فما بالُ هذا الرسول بَشَر؟ هلاَّ أرسله مَلَكًا؟ ولو أرسلنا مَلَكًا لقالوا هلاَّ أرسل إلينا مثلنا بَشَرًا؟ ولو أظهر عليهم آيةً لقالوا: هذا سِحْرٌ مُفْتَرَى! ولو أخليناهم من رسولٍ وعاملناهم بما استوجبوه من نكير لقالوا:هلاَّ بَعَثَ إلينا رسولًا حتى كنا نُؤْمِن؟ فليست تنقطع أعلالُهم، ولا تنفك- عما لا يُرْضَى- أحوالُهم. وكذلك سبيلُ مَنْ لا يجنح إلى الوصال ولا يرغَب في الوداد، وفي معناه أنشدوا:{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا}.الكل واقفوان على التجويز غير حاصلين بوثيقة، ينتظرون ما سيبدو في المستأنف، إلاَّ أَنَّ أربابَ التفرقة ينتظرون ماسيبدو مِمَّا يقتضيه حُكْمُ الأفلاك، وما الذي توجبه الطبائعُ والنجومُ. والمسلمون ينتظرون ما يبدو من المقادير فهم في رَوْحِ التوحيد، والباقون في ظُلُمَاتِ الشَّرْكِ. اهـ. .التفسير الإشاري: قال الألوسي:ومن باب الإشارة في الآيات: {فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} [طه: 67] قيل: إنه عليه السلام رأى أن الله تعالى ألبس سحر السحرة لباس القهر فخاف من القهر لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال: ما خاف عليه السلام على نفسه وإنما خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله تعالى: {قُلْنَا لاَ تُخفُ إِنَّكَ أَنتَ الاعلى} [طه: 68] أي إنك المحفوظ بعيون الرعاية وحرس اللطف أو أنت الرفيع القدر الغالب عليه غلبة تامة بحيث يكونون بسببها من أتباعك فلا يفوتهم حظهم من الله تعالى {فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّدًا} [طه: 70] إلى آخر ما كان منهم فيه إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت فلا يستبعد حصول الكمال لمن تاب وسلك على يد كامل مكمل في مدة يسيرة.وكثير من الجهلة ينكرون على السالكين التائبين إذا كانوا قريبي العهد بمقارفة الذنوب ومفارقة العيوب حصول الكمال لهم وفيضان الخير عليهم ويقولون كيف يحصل لهم ذلك وقد كانوا بالأمس كيت وكيت، وقولهم: {لَن نُّؤْثِرَكَ} [طه: 72].. إلخ. كلام صادر من عظم الهمة الحاصل للنفس بقوة اليقين فإنه متى حصل ذلك للنفس لم تبال بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية والآلام الحسية في جنب السعادة الأخروية واللذة الباقية الروحانية {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} [طه: 77].. إلخ. فيه إشارة إلى استحباب مفارقة الأغيار وترك صحبة الأشرار {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} [طه: 81] عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز وجل: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يا موسى موسى} [طه: 83] الإشارة فيه أنه ينبغي للرئيس رعاية الأصلح في حق المرؤس وللشيخ عدم فعل ما يخشى منه سوء ظن المريد لاسيما إذا لم يكن له رسوخ أصلًا {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ}.قال ابن عطاء: إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام بعد أن أخبره بذلك: أتدري من أين أتيت؟ قال: لا يا رب قال سبحانه: من قولك لهارون: {اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] وعدم تفويض الأمر إلي والاعتماد في الخلافة علي.وذكر بعضهم أن سر إخبار الله تعالى إياه بما ذكر مباسطته عليه السلام وشغله بصحبته عن صحبة الأضداد وهو كما ترى:{وَأَضَلَّهُمُ السامرى} [طه: 85] صار سبب ضلالهم بما صنع قال بعض أهل التأويل: إنما ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم ليتميز منهم المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول.ولهذا قالوا: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه: 87] أي برأينا فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين لا طريق لهم إلا التقليد والعمل لا التحقيق والعلم وإنما استعبدهم السامري بالطلسم المفرغ من الحلي لرسوخ محبة الذهب في نفوسهم لأنها سفلية منجذبة إلى الطبيعة الجسمانية وتزين الطبيعة الذهبية وتحلى تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية التي هي أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المشار إليها بحيزوم وفرس الحياة وهي مركب جبريل عليه السلام المشار به إلى العقل الفعال بالقوى الأرضية ولذلك قال: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} [طه: 96] أي من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتني عليهما علم الطلسمات والسيمياء {قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ في الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} [طه: 97] قال ذلك عليه السلام غضبًا على السامري وطردًا له وكل من غضب عليه الأنبياء وكذا الأولياء لكونهم مظاهر صفات الحق تعالى وقع في قهره عز وجل وشقي في الدنيا والآخرة وكانت صورة عذاب هذا الطريد في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل وأثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا} [طه: 105] قال أهل الوحدة: أي يسألونك عن وجودات الأشياء فقل ينسفها ربي برياح النفحات الإلهية الناشئة من معدن الأحدية فيذرها في القيامة الكبرى {قاعًا صفصفًا} [طه: 106] وجودًا أحديًا {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 107] اثنينية ولا غيرية {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى} الذي هو الحق سبحانه لا عوج له إذ هو تعالى آخذ بنواصيهم وهو على صراط مستقيم {وَخَشَعَتِ الاصوات للرحمن} إذ لا فعل لغيره عز وجل: {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا} [طه: 108].أمرًا خفيًا باعتبار الإضافة إلى المظاهر انتهى.ولكم لهم مثل هذه التأويلات والله تعالى العاصم {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109] قيل: هو من صحح فعله وعقده ولم ينسب لنفسه شيئًا ولا رأى لها عملًا {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] لكمال تقدسه وتنزهه وجلاله سبحانه عز وجل فهيهات أن تحلق بعوضة الفكر في جو سماء الجبروت.ومن أين لنحلة النفس الناطقة أن ترعى أزهار رياض بيداء اللاهوت، نعم يتفاوت الخلق في العلم بصفاته عز وجل على قدر تفاوت استعداداتهم وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} [طه: 114] وقيل: هذا إشارة إلى العلم اللدني، والإشارة في قصة آدم عليه السلام إلى أنه ينبغي للإنسان مزيد التحفظ عن الوقوع في العصيان، ولله تعالى در من قال:وروى الضحاك عن ابن عباس قال: بينا آدم عليه السلام يبكي جاءه جبريل عليه السلام فبكى آدم وبكى جبريل لبكائه عليهما السلام وقال: يا آدم ما هذا البكاء؟ قال: يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من السماء إلى الأرض ومن دار النعمة إلى دار البؤس فانطلق جبريل عليه السلام بمقالة آدم فقال الله تعالى: يا جبريل انطلق إليه فقل له: يا آدم يقول لك ربك ألم أخلقك بيدي ألم أنفخ فيك من روحي ألم أسجد لك ملائكتي ألم أسكنك جنتي ألم آمرك فعصيتني فوعزتي وجلالي لو أن ملء الأرض رجالًا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي وقد سمعت تضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك.{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} أي بالتوجه إلى العالم السفلي {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124] لغلبة شحه وشدة بخله فإن المعرض عن جناب الحق سبحانه انجذبت نفسه إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياه واشتد حرصه وكلبه عليها وشغفه بها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية فيشح بها عن نفسه وغيره وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وتلك المعيشة الضنك.ولهذا قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه سبحانه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه بخلاف الذاكر المتوجه إليه تعالى فإنه ذو يقين منه عز وجل وتوكل عليه تعالى في سعة من عيشه ورغد ينفق ما يجد ويستغني بربه سبحانه عما يفقد {والعاقبة للتقوى} [طه: 132] أي العاقبة التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة لأهل التقوى المتخلين عن الرذائل النفسانية المتحلين بالفضائل الروحانية، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة وصفاء العمر عن المشاغبة ونحمده سبحانه على آلائه ونسلم على خير أنبيائه وعلى آله خير آل ما طلع نجم ولمع آل. اهـ.????????
|